رسائل عدة وصلتني على بريدي الإلكتروني، تؤكد في مجملها على أهمية تناول موضوع «الحقيبة المدرسية» ما لها وما عليها، ونزولاً عند رغبة السادة القرَّاء، فإن من الأهمية بمكان ـ بحسب تصوري الشخصي ـ إجراء مقاربة موضوعية بين مفهومين وهما: الحقيبة المدرسية من جهة، والمنهج الرقمي من جهة أخرى.
قبل الدخول في عملية المقاربة، أود التأكيد على أنني لستُ مولعاً بالنقد ولا بكيل المديح، باعتبار أن برنامج الصحة المدرسية حق أصيل من حقوق الطالب، والحقيبة المدرسية ما هي إلا واحدة من المسائل ذات الصلة بهذا البرنامج، وثمة جهود بذلتها وزارة التربية والتعليم في السنوات الأخيرة لتعزيز ثقافة المدارس المعززة للصحة.
نذكر منها على سبيل المثال: منع المشروبات الغازية بالمدارس، لأن نسبة 25 إلى 30 في المئة من طلبة المدارس يعانون من السمنة، إلى جانب وجود ارتباط قوي بين هذه المشروبات ومرض هشاشة العظام، وتسوس الأسنان، والأخطر من ذلك كله النشاط المفرط لدى الطلبة، والذي يؤثر بالتالي على سلوكياتهم سلباً، ويكون مصدر إزعاج لكل من الإدارة المدرسية والمعلمين على حد سواء في ضبط إيقاع الفوضى، وآخر تلك الجهود كان التعاطي الإيجابي للوقاية من مرض H1N1 وما إلى ذلك.
عكفتُ مؤخراً على قراءة ومتابعة ما كُتب في الصحافة المحلية، وبعض المنتديات والمواقع الإلكترونية عن الحقيبة المدرسية بوصفها ظاهرة تستدعي المبادرة الجادة لإيجاد الحلول الممكنة، واللافت للنظر هو ما نشر عن مشروع «حامل الحقيبة المدرسية»، لاختصاصي العلاج الطبيعي أسعد المختار، والذي نال بموجبه مؤخراً براءة اختراع في معرض الابتكارات في جدة بالمملكة العربية السعودية، كأول بحريني وخليجي وعربي يحصد البراءة في هذا الابتكار.
وها أنا ذا أحاول معالجة هذه الظاهرة من خلال ثلاثية: وزارة التربية والتعليم وأولياء أمور الطلبة والقطاع الخاص.
أولاً: وزارة التربية والتعليم: يتطلب منها في هذه المرحلة توفير خزائن Lockers لكل طالب وطالبة في المدرسة، بأن يُكلَّف الطلبة في بداية كل عام دراسي جديد بدفع مبلغ رمزي (دينارين أو 3 دنانير مثلاً) كتأمين على توفير المدرسة لهذه الخدمة، والتي تم تطبيقها في مدرسة الشيخ عبدالعزيز بن محمد آل خليفة الثانوية للبنين في ثمانينيات القرن الماضي، ولاقت استحساناً كبيراً من الطلاب وأولياء أمورهم، ليس فقط على مستوى التخفيف من ثقل الحقيبة المدرسية، بل وترويج ثقافة التأمين والمحافظة على الممتلكات العامة.
إن طرح فكرة الخزائن في الممرات والأبنية المدرسية أفضل بكثير من وضع الخزائن داخل الصفوف الدراسية، نظراً لمحدودية مساحتها، وارتفاع الكثافة الطلابية.
ومن المتوقع أن تبادر وزارة التربية من خلال التنسيق مع وزارة التجارة والصناعة للسماح فقط بإدخال الحقائب المدرسية ذات المواصفات والمعايير الصحية إلى مملكة البحرين.
كما وأن توفير مصاعد للأبنية المدرسية ذات البناء العمودي، والتي تصل إلى ثلاثة طوابق، قد يساهم في حل المشكلة، من جهة توفير البيئة السليمة والراحة للطلبة.
ربما لو تمَّ وضع ميزان عند مدخل المدرسة يقيس وزن الحقائب المدرسية الثقيلة، كان هو الآخر حلاً عملياً في هذا الاتجاه.
حتى عند طباعة الكتب المدرسية، فإن بإمكان الوزارة الاتفاق مع المطابع لاعتماد أنواع معينة وخفيفة من الورق، إلى جانب إعادة النظر في التكرار والحشو في المناهج الدراسية بشكل عام.
علاوة على ذلك فإن المسئولية تقع على إدارات التعليم، في توجيه المعلمين نحو تقليص الواجبات المنزلية، وتفعيل التقويم الصفي، لكي يستريح المعلمون فترة الساعات المكتبية من جهة، ولكي لا يضطر الطلبة بدورهم إلى حمل جميع الكتب المدرسية إلى المنزل من جهة أخرى.
ثانياً: أولياء الأمور: يتجلى دور أولياء أمور الطلبة في شراء الحقيبة المدرسية ذات العجلات، والتي تمكِّن الطالب من حمل وزن أكبر، شريطة أن يقوموا بتثقيف أبنائهم وبناتهم الصغار بجرِّها في مستوى قريب منهم، لتفادي الإصابة في الكتف.
كما ويُنصح بوضع حزامي الحقيبة المدرسية على الكتفين، بجعل وضع الجسم أكثر توازناً وسلامة، إلى جانب وضعها وتركيزها بشكل متساوٍ عند منتصف الظهر، بعد شدِّ الأحزمة، بحيث لا تصل الحقيبة إلى ما تحت الظهر.
ثالثاً: القطاع الخاص: تحتم المسئولية المجتمعية على القطاع الخاص تخصيص بند لتقديم دعم سنوي للمدارس، وقد يكون من المناسب تبني مشروعين، أحدهما فوري، والآخر مستقبلي.
أما المشروع الفوري فيكون بمبادرة القطاع الخاص إلى دعم مشروع الخزائن المدرسية للطلبة، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم.
بينما يتمثل المشروع المستقبلي عن طريق إطلاق مبادرة «الكتاب التعليمي المسموع Audio Learning Book «، كتجربة تعليمية بحرينية رائدة على مستوى المنطقة العربية.
والسؤال المطروح هو: ما الفائدة المرجوة من إطلاق القطاع الخاص لمشروع «الكتاب التعليمي المسموع»؟
إن مشروع «الكتاب التعليمي المسموع» يكون بتحويل جميع محتوى المقررات الدراسية إلى أقراص مدمجة (CD)، ليستمع إليها الطالب وهو في طريق ذهابه إلى المدرسة صباحاً، وذلك من خلال الاستفادة من الطاقات الشبابية في المدارس، واستقطاب الأصوات الإذاعية المتميزة منهم لإعداد هذا المشروع، الذي هو منهم وإليهم.
فمع وجود الازدحامات المرورية، وقضاء جزء كبير من أوقاتنا في السيارات وبالشوارع، فإن المشروع سيحظى بترحيب من المهتمين بشئون التعليم.
دعونا نتفاءل أكثر، برفع سقف طموحاتنا بعض الشيء، ونتوجه إلى المنهج الرقمي Digital Curriculum وهو مصطلح تربوي قائم على استحداث بدائل إلكترونية عوضاً عن الوسائل التعليمية التقليدية، عبر تحويل كتب ورقية إلى كتب إلكترونية صديقة للبيئة، على شكل أقراص ليزرية أو على الإنترنت كبرامج تفاعلية، من خلال التركيز على المهارات التالية:
- برمجة عالية التقنية في تقديم برامج سهلة الاستخدام للطالب المدرسي.
- إثراء المادة الورقية بوسائل إيضاح متطورة مثل: الصوت والصورة والحركة وأفلام الفيديو والكرتون، وبرمجيات تفاعلية للاختبارات أو التدريبات وأسئلة التقويم، وأوراق عمل في غاية المرونة، وتكون قابلة للطباعة.
- إحداث التطوير في فكرة المنهج الورقي بما يتناسب مع التطورات الحديثة في مجال الحاسب الآلي والوسائط المتعددة، وتوظيف آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا الرقمية لجعل عملية التعلم أكثر متعة وجاذبية.
لا شك بأن رقمنة المحتوى المعرفي للمناهج التعليمية ستكون حتماً البديل الأمثل ـ شئنا أم أبينا ـ عن الوسائل التقليدية في العملية التعليمية/ التعلمية.
فالانتقال المرحلي من الحقيبة المدرسية (المناهج الورقية) إلى المناهج الرقمية (المناهج الإلكترونية) يكون من خلال اعتماد الاستراتيجية التالية:
ـ صياغة التشريعات واللوائح الخاصة بالسياسات التعليمية بين الفينة والأخرى، لسهولة تضمين ثقافة المناهج الرقمية في المؤسسات التعليمية، تعزيزاً لمهارات التعلم الذاتي.
ـ تصميم المناهج الرقمية وفق أفضل المواصفات والممارسات في الدول المتقدمة في مجال التعليم، بشكل يلبي احتياجات ومتطلبات المتعلمين البحرينيين.
ـ وبما أن التدريب عملية تراكمية وتفاعلية في الوقت ذاته، فإن الضرورة تقتضي تدريب أعضاء الهيئتين التعليمية والإدارية في المدارس الحكومية وتزويدهم بآليات توظيف المنهج الرقمي، ونشر ثقافة تقنية المعلومات والاتصالات في الفضاء المدرسي، ليتمكنوا من توظيفها في مجالات التدريس، للتقليل من الفجوة الرقمية في مجتمع الطلاب، رغم قناعاتي التامة بوجود هذه الفجوة عند المعلمين بشكل أكبر، وذلك يتطلب تدريبهم على التعلم الإلكتروني.
محتاجون اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى توظيف المنهج الرقمي، وخصوصاً مع التطور الحاصل على مستوى بنية التعلم الإلكتروني في كثير من مدارس مملكة البحرين، بوجود الصفوف الإلكترونية، والسبورة الذكية والتفاعلية، خصوصاً بعد استكمال المرحلة الأخيرة من تطبيق مشروع جلالة الملك حمد لمدارس المستقبل في العام الدراسي الماضي 2009 - 2010، إذ من المقرر البدء في المرحلة التطويرية هذا العام بتفعيل الشبكة التعليمية من خلال تشبيك المدارس المطبقة للمشروع بالشبكات الداخلية بجميع مرافقها، وتوفير المزيد من التجهيزات الأساسية، وربطها بالمنظومة التعليمية، وكذا مشروع دليل المعلم التدريبي الإلكتروني، وتصميم دليل المواقع الإلكترونية للمواد التعليمية، فكل هذه المعطيات تشير إلى ضرورة تحويل جميع الكتب الورقية إلى الصيغة الإلكترونية، وتحميلها على منظومة التعلم الإلكتروني.
ولكن من أي المراحل التعليمية نبدأ الخطة التنفيذية لمشروع المنهج الرقمي؟
قد يكون من المناسب البدء بالحلقتين الأولى والثانية من التعليم الأساسي، فهما الأكثر معاناة من ثقل الحقيبة المدرسية، وخصوصاً أنهم أطفال صغار، كما أن الاهتمام بسيكولوجية الطفل منذ نعومة أظفاره يعزز لديه حب التعلم والانتماء للمدرسة، فالحقيبة المدرسية الثقيلة تكون مصدر إزعاج للطفل، وفي النهاية تتسبب في نفورهم وإعراضهم عن المدرسة.
ما يؤكد صحة ما نتوجه إليه هو ما نشر قبل أيام، بخصوص استقبال وزير التربية والتعليم ماجد النعيمي لوكيلة وزارة الخارجية الأميركية للدبلوماسية والشئون العامة جوديث مكهال، حيث اطلعت على المشاريع التطويرية التي تنفذها الوزارة حالياً في إطار المشروع الوطني لتطوير التعليم والتدريب، وأهمية هذه المبادرات في تحسين أداء المدارس للارتقاء بالمخرجات التعليمية لتتناسب واحتياجات سوق العمل... «خاصةً ما يتعلق بتحويل عددٍ كبيرٍ من المناهج إلى مناهج رقمية» (وكالة أنباء البحرين بنا / 7 نوفمبر 2010).
فاضل حبيب
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3000 - الثلثاء 23 نوفمبر 2010م الموافق 17 ذي الحجة 1431هـ
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3000 - الثلثاء 23 نوفمبر 2010م الموافق 17 ذي الحجة 1431هـ
مقال مفيد
ردحذفواعتقد انه بوسعنا الانتقال الى المناهج الرقميه
موضوع رائع
ردحذف